شبكة بيئة ابوظبي: بقلم: د. محمد محمود السيد، 23 ديسمبر 2020
تربينا على مفهوم ثابت لايتغير، وهو أن السياسات والاستراتيجيات الأمريكية لاتتغير بتغير ساكن البيت الأبيض فالسياسات ثابتة والأشخاص متغيرين ، الا أننا فوجئنا بالرئيس الأمريكى ترامب ينسحب من اتفاقية باريس التى تهدف للحد من التأثيرات السلبية لمشكلة التغيرات المناخية، بل ومواجهة المشكلة من جذورها، بحجة ان قضية التغيرات المناخية ماهى الا خدعة كبيرة ، وهى الاتفاقية التى سبق ووقعها سابقه فى البيت الأبيض باراك اوباما..
وهذا يثبت أن السياسات ليست ثابتة فى المطلق لكنها متغيرة أحيانا طبقا لقناعات الرجل الأول .. وها نحن ازاء رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية وهو جو بايدن الذى اعلن صراحة انه سيعود ببلاده الى الحظيرة الدولية، وأنه سينضم مجددا لاتفاقية باريس المناخية، وسيعود كذلك الى منظمة الصحة العالمية.
والثابت ان اتفاق باريس لتغير المناخ )لعام 2015 ( لم يحظ بأي فرصة للتطبيق، كما أراد له الإجماع الدولي في باريس عام 2015 . فكل ما حظي به هو عقد أطرافه مؤتمرهم السنوي التالي في مراكش والذي حملت نهاية أعماله نبأ محبطاً لكل المشاركين فيه، وهو فوز دونالد ترامب المناهض لقضية المناخ بمنصب الرئاسة في أمريكا، والذي قام من فوره بالانسحاب من هذا الاتفاق التاريخي؛ لتأتي بعد ذلك جائحة كورونا وتفاقم من أزمة دبلوماسية المناخ التي لطالما شكلت رافعة للدفع قدماً بأهدافها، خصوصاً فيما خص القضيتين المفصليتين وهما التخفيف )خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري(، والتكيف مع ظاهرة التغير المناخي. إلى جانب هذا نجد ان العلاقات المتوترة بين امريكا والصين وهما اقوى اقتصادين فى العالم وأكبر مُصْدِري الانبعاثات، لا تساعد على إعادة بعث دبلوماسية المناخ. من هنا يتعاظم الأمل فى فوز جو بايدن بمقعد الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة عضوية بلاده في اتفاق باريس في اليوم الأول من ولايته. فضلاً عن اختياره عضوة مجلس الشيوخ كمالا هاريس، كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، وهي المعروفة بأنها الراعي الأصلي ل «الصفقة الجديدة الخضراء »، والمدافعة عن ما يسمى «العدالة المناخية »، بما في ذلك محاسبة شركات النفط والغاز على انبعاثات الكربون )العدالة المناخية هو مصطلح يستخدم للتعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري على أنها قضية أخلاقية وسياسية، وليست قضية بيئية أو فيزيائية بحتة، وذلك من خلال ربط آثار تغير المناخ بمفاهيم العدالة، لا سيما العدالة البيئية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وحقوق الإنسان، والحقوق الجماعية والمسؤوليات التاريخية لتغير المناخ. ولعل أحد أهم الشواغل المتعلقة بالعدالة المناخية ذلكم المتمثل في أن الأشخاص الأقل مسؤولية عن تغير المناخ يعانون عواقبه الجسيمة. أيضاً، فمن شأن تجديد الالتزام الأمريكي بالعمل المناخي، تقويض جهود بعض الدول المتقاعسة عن القيام بأدوارها في مكافحة آثار وعواقب تغير المناخ، مثل البرازيل وأستراليا وغيرهما من الدول التي أصبحت أصواتها أكثر حدة في المفاوضات الدولية في ظل هجمات الرئيس ترامب على قضية المناخ.
وربما يؤدى وصول بايدن وهاريس إلى سدة الحكم، إلى إحياء «تحالف الطموح العالي »، السابق للدول التي تضغط للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية )حوالي سنة 1750 (؛ وهو الهدف الرئيسي لاتفاق باريس لتغير المناخ. وإذا ما حدث ذلك، سيجد حلفاء الولايات المتحدة في قضايا المناخ، لاسيما اليابان وأستراليا وكندا، أنفسهم مضطرين لمجاراتها في إعادة الالتزام بالاتفاق. علماً بأن خطة بايدن للتعامل مع تحديات المناخ، تتضمن هدف وصول الولايات المتحدة لاقتصاد الطاقة النظيفة بنسبة 100% ، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في موعد لا يتجاوز عام ..2050 وأتصور أن اعادة صياغة العلاقات بين امريكا والصين لهو ضمانة اساسية وهامة لتحقيق مواجهة حقيقية لمشكلة التغيرات المناخية وهو أمر غير مضمون بنسبة كبيرة، الا أننا لابد أن نأمل فى عودة الدفء لهذه العلاقات لمواجهة أخطر مشكلة تواجه البشرية كلها.
ولا ننسى أن فيروس كورونا قد أجبر الأسرة الدولية على تأجيل قمة المناخ العالمية أو مؤتمر الأطراف 26 ( COP26 ) الذي ستستضيفه مدينة جلاسجو الاسكتلندية، لمدة عام، ليعقد خلال الفترة من 1 إلى 12 نوفمبر 2021 ، والذي كان من المفترض أن يعطي زخماً جديداً للعمل المناخي مع الدول المتعهدة بطموحات تخفيف أكثر صرامة في أول خمس سنوات من اتفاق باريس. أما وقد فعل كورونا فعلته مع العالم، فحتى الآن لم تتقدم سوى 11 دولة فقط، بمساهمات جديدة محددة وطنياً، المطلوب زيادتها بحلول نهاية العام الجاري 2020 . وهي لا تمثل سوى % 2.9 من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
أتمنى أن تنعكس العودة الأمريكية الى اتفاقية باريس فى تحقيق الأهداف العالمية التى نصبواليها جميعا لتحقيق مواجهة أكثر فاعلية لمشكلة التغيرات المناخية حمى الله العالم من تقلبات سياسات الكبار وتمسككم بقيمكم.
المصدر: نقلاً عن الشبكة العربية للبيئة والتنمية المستدامة